عندما تحتضن رواية لعبده خال فأنت تعد نفسك بقراءة مختلفة ، دائماً تأخذك إلى أعماق نفس إنسانية شوهها الواقع ومزقتها الفاقة وافترسها الحرمان لتقع فريسة للأقوياء الذين لا يتوانون عن سحقها سواء متعمدين أو عن دون قصد
قرأت روايته الأخير" ترمي بشرر" وانتابني شعوريين مختلفين الأول كان شعوراً بالفرح لأني موعود بجلسة مسائية تطوق بها عيناي سرداً أعشقه وأستمتع به لأقصى حد ، والثاني شعور مؤلم كون الرواية تعري الواقع المر وتطرح همجية و غرائبية الإنسان في أفعاله التي يغترفها بدافع العوز والضعف أو على العكس تماماً بدافع التسلط والرفاهية والعبثية
طارق فاضل بطل الرواية وكذلك الراوي الذي يسوق لنا قصة حياته التي بدأها بحارة الحفرة في منطقة جدة ، حارة أسماها أهلها الواقعون تحت أنياب الفقر المدقع والجهل المطبق حارة جهنم بسبب بعدها عن التطور الإنساني وامتلاءها بالقاذورات والنفايات الفعلية أو ما تجود به نفوس البشر التي جبلت على إتيان الأفعال القذرة جراء عدم تقليمها أظافر أروحها الجانحة نحو التوحش والهمجية
بعد أن يحط ذلك القصر العملاق المليء بالأضواء التي تخطف القلوب والعيون ويقف كمارد جبار بين البحر وأبناء الحارة يصبح هم الجميع الولوج إلى داخله الجنة كما يتصورون ليصبحوا خدماً عند السيد ينهلوا من كثبان الأوراق المالية التي لا تنضب من جيوبه
يستغل سيد القصر الذي يعتبر أبناء الحارة هوامش حياتية وجدت لكي تضفي على حياته مزيد من الراحة والرفاهية هؤلاء الناس ويستخدمهم عنده بأقذر المهن التي تحط من قيمة الإنسان ، فيستخدم طارق فاضل الشهير بشذوذه وقدرته الجنسية الهائلة التي ورثها أباً عن جد لمعاقبة كل من يقف بطريقة أو يخالفه من خلال جلبه بالقوة وإجبار طارق على اغتصابه أمام عيون السيد وكاميراته التي تصور هذا الفعل المشين
تبدأ الحياة بالتداعي في داخل طارق الذي تقف له عمته العانس التي تكن له كراهية كبيرة بسبب كرهها لأمه بالمرصاد معرية جميع أفعاله القذرة ما يدفعه إلى مبادلتها الكره بطريقة شاذة تصل به لحد تعذيبها وحبسها في غرفة داخل فلته بانتظار أن تموت وتريحه من عذابات نظرتها القاسية التي تذكره بكل ما اقترفه
يظل الماضي يطارد طارق رغم محاولته طمر هذا الماضي بأكمله والابتعاد عن كل ما يذكره بماضيه وبـ " تهاني " حبيبته التي تسبب بموتها عندما فض بكارتها وهرب تاركها أمام مصير القتل من قبل والدها .
يبتلع القصر مسرات طارق ورفاقه أبناء الحارة عيسى الرديني أول الواصلين إلى القصر والذي كان سببا في دخول الجميع من بعده ، عيسى الذي تسبب حبه لشقيقة سيد القصر " موضي" بتلقيه لطمة قاصمة أفقدته عقله ودفعته للسير عارياً في طرقات جدة ومن ثمة إلى قتله برصاصتين من سلاح السيد . مصير عيسى كان أكثر مصائر أبناء الحارة تشوها ، فجميعهم دخلوا إلى القصر وهم يظنون إنهم يلجون " الجنة " لكنهم وجدوها ناراً حامية تتلظى الأرواح فيها تحت سطوة الذل و الدنس
النهاية كانت كصاعقة مباغتة تجعلك ترتجف من قمة رأسك حتى أخمس قدميك ، حقيقة عندما قرأتها واستوعبتها شعرت برعدة تجتاح جسدي ولم استطع أن أمنع عبرة مرت بأحداقي واستجمعت دمع كاد يفر من عيني
بصورة عامة بإمكاننا أن نسقط الرواية على الكثير من الأمور الحياتية فهي تستعرض مدى الاختلال الذي تعاني منه بعض المجتمعات من خلال تسلط من بيده المال والسلطة وتحكمه بمصائر المستضعفين الذين لا يملكون لا حول ولا قوة سوى الانجرار والخضوع لهذا التسلط والرضا بحياة الدنس مقابل حصد المال ظناً منهم أن هذا المال سيمنحهم العيش بكرامة غافلين عن أن " المال الفاسد لا يورث سوى المهانة و الضياع " .
****
جملة عابرة من الرواية
" تمنحك الحياة سرها متأخرا حين لا تكون قادرا على العودة للخلف "
*****
ملاحظة : كنت كاتب المشهد الأخير إللي يفاجئك ويحرك كل شي فيك ، لكني مسحته علشان لا أحرقها على إللي يحب يعيش أحداثها .
20 comments:
العزيز حسين
استمتع كثيراً بقراءة ملخص قراءاتك القيمــة حقيقة ..
سمعت كثيراً بالطبع عن عبـده خال ، لكن الى الآن لم اقتني له شيئاً .
بالمقابل .. ايبت مكتبتي بتخمة روايات و قصص قصيرة و دواوين شعر .. فـ سعيت هذا المعرض للتغيير من خلال اقتناء بعض الكتب التاريخية وا لفلسفية أو العلمية .
انشالله خطوتي القادمة هي عبده خال
و لكن ليس هذه الرواية .. احسستها رائعة كـ روعة فيلم Sleepers
المضحك انه من افضل الافلام التي شاهدتها و على رأس قائمة افلامي المفضلة ، و لكن مشاهدته تصيبني بالكآبه في كل مرة
آخر مرة شاهدته بكيت بشكل غير معقول حتى تكون إلى جانبي جبل صغير من اوراق الكلنكس .
- يهمني اعرف رايك . ممكن تكتب اسمه بيوتيوب و تشوف التريلر -
لذلك لن اقوى على قرائتها .. مثلما لا اقوى على مشاهدة هذا الفيلم رغم اني اتحرق شوقاً كلما امسكت علبته.
:
ارجوك .. اريد ان اقرأ فقرة النهاية
!!
شلون ؟!
عبده خال
دائماً يتميز بالروايات التي تأخذك إلى جوهـا ..للتعايش معه ..
تبدو لي هذه الرواية رائعه
اتمنى ان احظى بقرائتهـا
شكراً لك ..
حسين
دايما تعودنا منك علي المميز
بس هالمرة ما راح اقدر اقرا هالقصة
هالنوع علي جودته يتعبني وايد
يسببلي كابة
انا متوقعه النهاية
دايما ينقلب السحر هاي الساحر
صح؟
مرحبا..
قرأت للكاتب رواية فسوق.. ومن بعدها لم افكر في قراءة اي اصدار له
بعد ان صنفت روايته بالنسبة لي بالادب الذي ينزل من قارئه ..
ومساك خير ..
كلما رأيت غلاف روايته
مدن تأكل العشب
انتابتني رغبة بالبكاء
:\
الرواية آلمتني لأقصى درجة
كلماته كانت تحفر شيئا ما في الروح.
.
.
بس مالقيت هالرواية بالمعرض
من اي دار نشر؟
Super Sara
ياهلا والله ومرحبا
طبعا كل شخص يختلف عن الثاني بالميول والأشياء المفضلة يعني ممكن شي يكون مفضل عندي بينما يكون عندج غير جذي
وعبده خال أنا اعتبره من أفضل الكتاب إللي قريت لهم لغاية الان أعشق ما يكتبه جدا
وأنصحك بسرعة قراءة كتاباته لأنها ممتعة ومؤلمة بالوقت نفسه
والالم أحيانا يعلمنا معنى الحياة
شي جميل إنك تغيرين وتنوعين في قراءتك أأيدك بهالخطوة
حقيقة أنا مو شايف هالفيلم وكلامك عنه يخليني اسرع لمشاهدته
واكيد راح اقولج رأيي
ان شاءالله راح اوصلك شلون كانت النهاية
بس ترى نهاية بشعة جدا ومؤلمة جداً
حياك الله عزيزتي
ودمتي بكل الخير
سويت
ياهلا والله ومرحبا
انا ما أأيدج إنج ماتقرينها علشان مؤلمة بالعكس في حكايات تكشف لنا معنى الحياة ومعادن الناس والروايات هي انعكاس للواقع في الغالب
ما حزرتي
:)
لو تعرفين عبده خال جان ماقلتي ينقلب السحر على الساحر
دائماً في كتاباته المستضعف يظل مستضعف
النهاية يكتشف فيها الشخصية الرئيسية حقيقة تهز كيانه وكيان القارىء
شكرا سويت على مرورج
اتمنالج يوم سعيد
فاطمة
ياهلا والله ومرحبا
هي فعلاً رواية ممتعة بكل معنى الكلمة
أنصحك بسرعة قراءتها والتمتع بمحتواها
عبده خال مبدع بدرجة امتياز
شكرا لك فطوم
تحياتي لك
منال
ياهلا والله ومرحبا
أنا ودي اسألك شلون يعني..
بعد ان صنفت روايته بالنسبة لي بالادب الذي ينزل من قارئه
؟؟
برأيي يجب أن يكون الادب دون أية قيود لا أخلاقية ولا دينية ولا اجتماعية بشرط ان يكون أدباً وليس شيء أخر
وانا أرى عكسك تماماً أن أدب عبده خال يرفع من قارئه ويجعلك تتعايش مع كافة تفاصيل الشخصيات التي دائماً ماتكون تحمل صراعات كبيرة
لكن في النهاية يظل كل إنسان له قناعاته وارائه
شكرا لك منال
سعيد بوجود هنا
:)
نجمة
ياهلا والله ومرحبا نجمة
شلونج وشخبارج إن شاءالله بخير
أووووف
مدن تأكل العشب شي ثاني
أنا قريتها مرتين وبقراها مرة ثالثة
فعلا رواية تحرك المشاعر بشكل مجنون
للأسف إن دار النشر إللي طابعة هالرواية مو مشاركة بالمعرض
أهي دار نشر الجمل
أنا شريتها من برا الكويت
ودورت روايته " الموت يمر من هنا " لكن للأسف ما حصلتها ولازلت ادور عليها
يعني للأسف للازم تحصلينها من برا الكويت أو تكون بالصدفة موجودة عن احد المكتبات هنيه
انصحك لازم تقرينها
مشكورة نجمة
أتمنالج كل الخير
احب تقييمك للكتب
او طريقة عرضها
ما قريت حق هالكاتب للأسف
وكل ما امي تقولي امشي اوديج المعرض
تاخذيلج جم كتاب
اقولها مابي :( مادري ليش
احس لي الحين ما عندي القدره
اني اختار الكتب بروحي
بدون استشاره منكم , او تجربه من احد
مشكور حسيين
شجعتني إني اقرى الكتاب ,
ولد عمتي مشارك بالمعرض
بشوف اذا عنده الكتاب
جد شوقتني
راح تكون روايتي المقبلة بس أخلص اللي بيدي
اولا
روايات عبده خال
تحرك كل مابداخلك من مشاعر انسانية
حروفه تنتقل بين مشاعرك
مبدع كبير جدا
بس اسمحلي ابي اسال الاخت
Manal E. AlNuaimi
شنو يعني ينزل من قارئه
من صج انتي
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
بالله علييج
عرفني على اديب يرفع
من ادب قارئه
حطيته باللست مالتي في حال مروري علمكتبه ;)
حافية
هلا والله ومرحبا
ايي والله بالنسبة لي عبده كاتب مميز جدا
وصحيح إن رأي الاخرين يساعدنا على اختيار الكتب لكن مو شرط تعجبنا الكتب اللي يفضلها غيرنا
سارعي واختارليج كم كتاب من المعرض
:)
شكراً حافية على المرور المميز
يارا
ياهلا والله ومرحبا
أيي اقريها وعطيني رايج فيها
:)
سعيد بوجودج
تحياتي
ترستن
شفيك معصب
شوي شوي
انا اوافقك على رايك في عبده
لكن كل إنسان وله اختياراته
:)
lilly
ياهلا والله ومرحبا
المشكلة انه مو موجد بكل مكان
أتمنى تحصلينه وتستمتعين بقراءته
تحياتي لج
بصراحة ما اعجبتني وحسيت انها تخلو من ذلك التشويق المممتع الذي يجعلنا نواصل المتابعه
مجرد راي
azobyabha
اهلا وسهلا عزيزي
احترم رأيك
وأكيد إن وجهات النظرة المختلفة أمر وارد ومطلوب
حياك الله اخوي :)
Post a Comment