
يتيم
اتذكر جيداً الان بعد ان اصبحت رجلاً كبيراًطفولتي التي لم اعشها ، كنت يتيماً رغم أن والديّ على قيد الحياة
انفصلاً عندما كنت جنيناً لم اعرف الدنيا بعد
منذ ان ادركت الحياة وانا ملتصق بوالدتي كان ذلك في الخامسة من عمري منذ تلك السن وانا اتذكر الاحداث ، اشياء بعيدة جداً تمر عليَ الان تقرورق لها عيوني ، لا بل تسيل انهار الدموع ، الله وحده يعلم كيف خرجت من تلك الحياة دون ان افقد حياتي
كنت مظلوم بكل شيء ترعرعت في منزل ( خالي ) ورأيت انواع من الظلم والاضطهاد والتسلط
أمي كانت ضعيفة جداً ، دائماً تبكي ، كانت تحب ابي الذي هجرها دون سبب مقنع كما قالت لي عندما كبرت قليلاً
كانت تضعني في فراشي باكراً لكي اصحو للمدرسة
ولكني لم اكن انام اشعر بها عندما تتسلل إلى الغرفة تقبل عيني المغمضة كذباً وتندس في فراشها القريب مني وتبدأ بالبكاء
وارى جسدها وهو يهتز عندما تنتحب بحرقة ، كانت الحياة تبدو لي بتلك اللحظة مجرد غمامة سوداء لا تمنح الا العذاب كنت اشعر بدموعي الخائفة تبلل وجنتي واتوسل بكل براءة قلبي الطفل إلى الله ان لا احصو اكنت اتمنى من الله ان يأخذني إليه
ولكني دائماً اصحو
لم انسى ذلك الموقف
في احد المناسبات كنت في السنة الاخيرة من دراستي الثانوية
العائلة كلها مجتمعة كنت بصحبة ( خالي ) الذي همس بأذني عندما كنا مقبلين للسلام على رجلُ ما .. هذا والدك
نظرت إليه ، يشبهني كثيراً ، جميل وطويل له ملامح جذابة
شعرت بقلبي يتقوض ونحن نقترب منه
نظر إلي وهو مبتسم وقال لـ ( خالي ) من هذا ولدك
ضحك ( خالي ) وقال لا ولدك انت اعاد نظره إلي وبلا مباله ربت على كتفي ثم إنصرف بعيداً دون ان ينبس بكلمة
ظلت عيوني تطارده وفي قلبي غصة بكبر الدنيا شعرت بأني فعلاً يتيم في تلك اللحظة
تخرجت من المدرسة بتفوق كبيروالتحقت بالجامعة رغم المعارضة الكبيرة التي واجهتها فانا لا يحق لي ان اكمل تعليمي .. لأنني يجب ان اعمل واصرف على والدتي ولكني لم استمع لهم اصغيت إلى ذلك الصوت في اعماقي كان يخبرني انه علي مواصلة طريقي نحو السعادة ، اكملت تعليمي الجامعي بتفوق كبير وقررت السفر إلى امريكا ، لاكمل تعليمي هناك
واقاموا الدنيا ولم يقعدوها ، وكدت اضعف ولكن امي همست بأذني ، لا تستسلم وحقق ماتريد ، وكنت بالفعل اعرف ما اريد ، اريد ان اصبح شيء كبير ، ان اتعلم واحقق لنفسي صيت ، وعلم ، واصبح شخصاً مهماً ،
لأنني عانيت من التهميش كثيراً ، قررت ان اصبح مهماً .
سافرت إلى امريكا بلاد الحريات والعلم والقوة والنفوذ والتسلط
امريكا ، بلد التعدديات ، والاحلام ، والغرائب ، حقاً إنها دولة هوليودية .
وعشت هناك مرحلة جديدة من حياتي ، اكتشف جانب اخر من شخصيتي ، لم اكن اعلم بوجوده ، الجانب العاطفي ، في كل حياتي الماضية لم يكن هناك امرأة سوى امي ، لم اكن اعرف التعامل مع النساء ودائماً اتجنبهن .
تعرفت عليها او بالاحرى هي من تعرفت علي ، فتاة امريكية من اصول لاتينية تحب العرب كثيراً وترى اننا عاطفيون واوفياء،
وكانت هي الوفاء مجسداً بهيئة إنسان
احبتني بصدق، احبت غرابة شخصيتي وضعفها، كانت دائماً تقول لي انت شخص لا يتكرر ، انك تملك بداخلك نهر من العاطفة لا ينضب ولا يتوقف عن العطاء ، إنك تسقيني الحب حتى الثمالة ، فكيف لا احبك .
و بعد مرور 3 سنوات على وجودي هناك ، كنت عائد من الاجازة التي قضيتها في بلادي منذ ما يقارب الثلاث اشهر ، تلقيت الخبر الفاجعة ، امي إنتقلت إلى رحمة الله على إثر ارتفاع في ضغط الدم ادى إلى جلطة في القلب اودت بحياتها ،
امي رحلت دون ان تودعني ، رحلت هناك إلى الله ، المكان الذي طالما تمنيت ان ارحل له ، هناك بالقرب من الله حيث الامان والسلام والراحة الابدية
جلست في يومها ليلاً وكتبت .
امي الحبيبة يعز علي إنك ترحلين دون وداعي ولكني رغم تفطر قلبي من الالم اعلم إنك في مأمن ، روحك التي عانت كثيراً الأن تقبع بسلام بين يدي خالقها ، أمي احبك أكثر من نفسي ، نعم والله ياحبيبتي اكثر من نفسي ، امي سامحيني لأني لم اكن بقربك ، امي إني ابكي الان ، اتذكر وجهك الحنون وابكي ، امي تعالي لحظة واحدة فقط ، .............. أمي إلى رحمة الله أيتها الغالية استودعك في امان الله وحفظه .
في ليلتها خالطتني احلام كثيرة وهلوسات ولم ادري ماذا حدث ،، صحوت ووجدت نفسي في فراشي وعلى جبيني فوط باردة ، كنت اهذي من الحمى ، وقفت " شيا " معي بكل جوارحها كانت تسهر بالقرب مني وتطعمني بيديها وتناولني علاجي ، شيا هي صديقتي التي اصبحت فيما بعد زوجتي والتي اسميتها ليلى .
قضيت اسبوعاً كاملاً طريح الفراش ، وعندما تماثلت للشفاء شعرت كأني اعود للحياة من جديد
عدت قوياً كنت ارى عيون والدتي في كل صفحة من كتب دراستي ، بذلت مجهود خارق ووضفت كل حواسي في دراستي ، وتفوقت ، تفوقت جداً
وفي يوم تخرجي بكيت ، بكيت كما لم ابكي من قبل ، كنت اشعر بأني طفل يحتاج لاحضان والدته ، شعوري باني لم افعل شي رغم كل نجاحي يتفاقم بشكل مخيف وعيون ( أمي ) تحدق في خيالي بكل حنان ، بكى الجميع معي ظناً منهم إنها دموع الفرح ، لم يعلموا إنها دموع اليتم ، انا مجرد طفلاً يتيم ، رغم كل شيء .
اخذتني ليلى معها وكالعادة غطيت في نوماً عميق وعندما صحيت شعرت كأنني احيى من جديد .
عدت إلى بلدي رغم تمسكهم بي وعروضهم الكثير لي لكني رفضت و عدت ومعي ليلى زوجتي الحبيبة ، نعم تزوجتها ، ليلى شخصية لا تتكرر ، كأنها هبة من السماء ، تلك الشخصيات التي لا تنتظرها ولا تفكر بها ولكنها تأتيك هكذا بكل بساطة ولا تعير لها اهتمام حقيقي في البداية ولكنك مع الايام تعلم إنها سبب من اسباب وجودك وإنها بالفعل شخص لا يتكرر .
اصبحت صاحب عمل خاص في بلادي ، وتطورت خلال اعوام قليلة إلى مرتبة عالية جداً واصبحت من اغنى واهم الشخصيات العامة ، املك كل شيء المال ، الصحة ، الزوجة الصالحة الحبيبة ، اصبح لدي اولاد ولد وبنت ، زيد و سارة ، احبهما جداً هما كل حياتي
أنا رجل يملك كل شيء ....... لكني يتيم ... هذا الاحساس لاينفك يزاحم انفاسي .. يتيم قلبي يبكي كثيراً بلا سبب ، اتذكر امي وابكي ... اتذكر ابي وابكي .... الدموع اصبحت جزء من شخصيتي
رغم كل هذه الحياة المرفهة الرغده ... لا أزال مجرد طفل يتيم
...............................
إهدا لكِ
ايو .... أنا عارف