11/16/2013

صوفي



الكلمات القصيرة الكثيفة تصل إلى المعنى أسرع من غيرها.


الحب هو طوق النجاة الذي سينقذنا يوما ما.

................................

أمس في وقت متأخر من الليل أنهيت مشاهدة الحلقة الأخيرة من المسلسل التركي "فاطمة" .. عشت مع هذا المسلسل لحظات كثيرة وانتباتني مشاعر مختلفة ومتعددة. تافهة وعميقة ومستفزة والأغلب مشاعر محبة.

"سأصغي لاسطنبول معصوب العينين، رطبة الشفاة مسكونة بالحب".

واليوم قبل دقائق قليلة أنهيت قراءة رواية "قواعد العشق الأربعون" للكاتبة التركية إليف شافاق.
تتحدث الرواية عن امرأة في الاربعين من عمرها. تعيش بهدوء حياة مستقرة مع زوجها واطفالها الثلاثة في ماساشوتيس في الولايات المتحدة، لكنها رغم طباعها الهادئة وشخصيتها المهتمة بأصغر تفاصيل اسرتها لم تكن تشعر بالراحة ولا بالسلام، كانت روحها حائرة ومطوقة بغلال سميكة من اليأس والاستسلام.
ولأنها ارادت أن تشغل نفسها بشيء يملي اوقات فراغها وجدت عمل مقبول في وكالة نشر. وكانت مهمتها الأولى قراءة رواية عنوانها "الكفر الحلو" عن مولانا جلال الدين الرومي وصديقه و"ملهمه" الدرويش شمس التبريزي وكتابة تقرير عنها.

تقع "إيلا" في حب كاتب الرواية بعد أن تتبادل معه الرسائل الإلكترونية ومن ثم تدور عجلة الرواية بزمنين مختلفين. رواية الكفر الحلو التي تتحدث عن الحب الصوفي والعشق الالهي والقواعد الأربعون، إلى جانب قصة إيلا الأميركية وعزيز الهولندي .

الرواية تحتوي على مقاطع من الصعب فهم كيف كتبت بكل هذه الدقة و القدرة على فهم النفس. ايضاً إسلوب الكاتبة، شيء مثل ماء منساب بعذوبة مفرطة جدا.

لكن ماهو اهم .. أنني بعد ان قرأت الرواية وشاهدت المسلسل انتابتني رغبة قوية في الذهاب إلى تركيا.. ثم شعرت بأنني أتمنى أن أكون "درويش صوفي" هههههه. لا أدري شعرت بأني سارتاح لو كنت بلا هدف في الحياة سوى الشعور بالحب والعشق الإلهي الجميل.

فعلاً  كل الشرور والمحبة  تنبع من نفس الإنسان، من داخله وما الخارج إلا إنعكاس للنفس الداخلية. عندما لانريد أن نتقاتل سنستطيع وعندما نريد أن نقتل بعضنا ايضا سنستطيع، لكن ربما تكون هذه هي الحياة، خير وشر. محبة وبغضاء. عداء وسلام.

لكن ماذا لو أننا اخترنا المحبة فقط. ماذا لو تسامينا فوق جميع الأمور التافهة التي تقيدنا وتجعل منا آلات للدمار والقتل والكراهية.
ماذا لو تقبل أحداً الآخر بكل مافيه من قبح وجمال، كيف ستكون الحياة.

هذا شيء مستحيل، نعم مستحيل. فمادامت هناك حياة سيكون هناك خير وشر وما البشر إلا تجسيد لهاتين الصفتين، فكن أنت الحب في هذه الرحلة، طهر قلبك من الشرور وترفع عن بهرج الدنيا وأبحث عن الجوهر.

ابحث عن روح تمدك بالدفء والحكمة والعشق. تأمل في كل تفصيل من تفاصيل الحياة و ازرع قلبك في عقلك حتى يمتلئ بالمحبة، المحبة ولا شيء سواها.


..........

ستشرق روحي ، متأكد من ذلك.. وستختار طريق الحب.. الطريق الوحيد الذي أعرفه جيدا والذي لن أحيد عنه ابداً.






 

11/12/2013

الحب والعذاب


العلة كل العلة في قلبي.

أنا لا أعرف شيئاً ابداً، لكنني مملوء بالحب والعذاب. هذا ما اشعر به.

لا اعرف أين الحقيقة. وحقيقة لم تعد تهمني الحقيقة ولا الكذب ولا اي شيء.

لكنني مملوء بالحب والعذاب وليس لدي مفر.

تهرب الكلمات مثل سرب عصافير داهمه طلق ناري .. تهرب دون رجعة ولا أجد في روحي سوى الحب والعذاب.

ايتها المرأة البعيدة والملتصقة في القلب.. أيتها السائرة فوق الغيم القريبة من الفؤاد .. أنني أشتاق إليك.

وياقلبي يا قلبي .. لقد تعبت واعلنت استسلامي ورفعت الراية البيضاء، لكنك لا تكف أنت مملوء بالحب والعذاب. الحب والعذاب.

..



 

5/20/2013

النمر الابيض


كانت رواية النمر الأبيض للكاتب الهندي ارافيند اديغا أمامي منذ زمن بعيد منذ أن قرأت ذات مرة مقال للكاتب الدكتور ساجد العبدلي يتحدث عنها ، ومنذ ذلك الوقت قررت أن اقرأها لكنني ولسبب لا اعلمه لم أقرأها إلا في الأسبوعين الماضيين فقط.

الرواية  فازت بجائزة البوكر البريطانية عام 2008 وكانت بمثابة مفاجأة للجميع لأن الكاتب وقتها كان بعمر 34 سنة (مواليد 1974) وهو سن صغير  جدا أمام العديد من الكتاب الكبار الذين كانوا مرشحين للجائزة وقتها وفي مقدمتهم مواطنه سلمان رشدي.

يتحدث الكاتب في عمله عن عالم الفقراء في الهند أو الذين يعيشون في الظلام كما اسماهم  من سكان القرى المتاخمة لنهر الغانغ المقدس الممتلئ برفات الأموات . من هذا العالم المهمش والمُستغل من قبل الطبقة الغنية، من خلف البقر والفقر والقذارة ياتي بطل الرواية "بالرام"، الشاب الفقير الذي يحمل في قلبه طموح كبير مدعّم بعقل لماح ومتوقد وكثير الأسئلة، وحين يبدأ عقل  إنسان ما بطرح الأسئلة لابد من أن يكون  صاحب هذا العقل مختلفاً عن بقية القطيع.

يصر بالرام بعد أن تم اخراجه من المدرسة رغم تفوقه للعمل في محل الشاي، على تعلم القيادة لأنه كان يريد أن يخرج من عالمه الضيق الكريه، وبالفعل يبرع الفتى الفقير في تعلم القيادة بصورة سريعة ثم يشرع في البحث عن عمل لدى الأسر الغنية من خلال طرق الأبواب والسؤال عن حاجتهم لسائق، وبعد تعب واحباطات كثيرة يوفق في الحصول على عمل لدى اسرة احد اكبر الاغنياء في اقليم بنغلور والذي يتاجر بالفحم بطريقة مخالفة للقانون كما كل شيء في الهند.

يكسب بالرام بسرعة ثقة أسياده بفضل اخلاصه ونباهته ثم يغادر إلى دلهي ليصبح سائق خاص لدى ابن سيده الصغير وزوجته العائدان حديثاً من أمريكا . وهناك يتعرف بالرام على عالم آخر، عالم تتفشى فيه الرشاوي و المفاسد بشتى انواعها  ويقسم فيه الناس إلى طبقتين. طبقة غنية تتمتع بكافة مباهج الحياة بصورة تثير الاشمئزاز. وطبقة الخدم التي ما وجدت إلا لتخدم الأسياد وتحقق لهم أسباب الراحة والسعادة على الرغم  من عيشهم تحت خط الفقر وسط أحياء تموج بالعشوائية والطرقات الوعرة المملوء بمخلفات البشر والحجر.

يتغير بالرام الملقب بالنمر الأبيض ( حيوان من فصيلة نادرة)  سريعاً ويبداً في التساؤل :" كيف استطيع أن أخرج من القفص"،  ثم تبدأ أفكاره تتجه إلى مناطق خطرة بعد أن يرى سيده الشاب  يوزع الرشاوي بالملايين على الوزراء والمسؤولين حتى يسهلوا  تجاره والده في الفحم ويجنبوه دفع الضرائب.

يقرر بالرام بعد صراع نفسي رهيب أن يخرج من قفص الفقر والذل، ويقنع نفسه بأنه لابد اذا اردت أن تكسر القيود وتخرج إلى النور، لابد أن تدفع الثمن حتى وإن كان هذا الثمن باهض جداً .

يقتل بالرام سيده الشاب "اشوك" الذي احبه كثيراً ورعاه بعد أن هجرته زوجته الأميركية ويسرق منه مبلغاً ضخماً كان ينوي السيد تسليمه لأحد المسؤولين، ويهاجر إلى منطقة بعيدة لايعرفه احدا فيها، ويبدأ هناك مشروع جديد في مجال سيارات الآجرة والألكترونيات حيث ينجح في عمله بشكل سريع ويسير على طريق الفساد من خلال دفع الرشاوي إلى مسؤولي الشرطة في المدينة.

خلاصة العمل برأيي تقول .. "لايمكن أن تظل نظيفاً عندما تعيش في حاوية القمامة"

الرواية مكتوبة بطريقة سهلة وسلسة، وهي في مجملها عبارة عن رسالة الكترونية يوجهها بالرام إلى رئيس وزراء الصين الذي ينوي زيارة الهند.

لكل من يبحث عن المتعة و اكتشاف عوالم الإنسان الداخلية، والشعور بمعاناة الآخرين ومعرفة بشاعة هذا العالم الغارق في الظلم والظلام، انصحكم بقراءة الرواية.





 

4/19/2013

رقصة الحياة





اغمضت عيناها وراحت تتمايل بجسدها المفرط في اللين على وقع نقرات الطبلة المتناغمة. ابحرت في  فضاء عالم افتراضي تكوّن في خيالها الخصب وتركت لخطواتها معانقة الإيقاع بفطرية بدائية.
مازالت تشعر بعدم قدرتها على الوصول إلى الذروة .. ذروة الرقصة، الحد النهائي من التجلي والانعتاق، المنتهى الاخير لما يمكن أن تصل إليه الروح، كانت تفتقد من يستطيع أن يفهم روحها قبل جسدها، من يفهم معنى الرقصة الحلم التي تنتظرها.

***
كان يحتضن طبلته كما تُحتضن الحبيبة بكل لهفة وشغف، تتراقص أصابعه على جلدها بتناسق نادر، فيتصاعد ايقاع مؤثر يغمرمن يصل إليه على نحو بالغ القدرة و الطغيان.
كلما نظر إلى طبلته شعر برباط وثيق يشده إليها وتفهم أكثر أن في الحياة أسرار لا أحد يمكنه فهم دوافعها، ردد في سره :"هناك أشياء خلقت من أجل إنسان بعينه، وهذا الطبلة ماوجدت إلا لتتراقص عليها أصابعي ، لكن من يقدّر ؟!!".
كان يشعر أن موهبته تذهب أدراج الرياح فلا أحد في هذه البقعة الصغيرة من الأرض يهتم لشخص يجيد النقر على الطبلة بصورة غير مسبوقة.

***
 كانت تضع قناعاً من خلطة جديدة نصحتها بها احدى صديقاتها على وجهها حتى تحافظ على نضارته وبهاءه، استدعتها والدتها لأمر بدا هاما وجديا.
اخبرتها أن "ابن عمها" متقدم لخطبتها وأن والدها لايجد أي مانع في اتمام الزواج ويود أن يعرف رأيها إن كانت موافقة.
طلبت من والدتها مهلة للتفكير. شعرت أن الكثير من المشاعر تتدافع بداخلها بطريقة غريبة، تذكرت والدها الحنون الذي طالما أغدق عليها واخوتها بحنان قل نظيره وسط مجتمع قبلي مغلق كالذي تنتمي إليه.
تذكرت احلام الفتيات في عائلتها ورغبتهن في زوج منفتح ولو قليلاً على العالم الكبير، يعتقهن من أيادي العادات والتقاليد التي تحاوطنهن من كل جانب، ثم غمرها شعور بالسعادة بشكل مفاجئ، لم يلبث إلا قليلا حتى تحول إلى احساس بالخوف، أكتشفت على حين غفلة أنها تحب بيت والدها ولا تود مغادرته، لا تتخيل انها ستترك شقيقاتها وكل هذا الحنان الذي تلقاه من الجميع.
 ثم قفزت فجأة رغبتها في الرقص واحست شعوراً جارفاً بالخجل من هذا الخاطر.
ظلت تفكر في "ابن عمها" الذي لاتعرف عنه الكثير، لكن تذكر شقيقاته مدها بشيء من الراحة والتفاؤل لأنهن صديقاتها المفضلات.
نظرت إلى سقف غرفتها وهي تتحس الخلطة التي جفت على قسمات وجهها الجميل ثم ابتسمت بحياء وخفر وهي تبطن في سريرتها ما قررته.
***

جلس صامتاً في غاية القلق والترقب، لم يعر انتبهاً لأصدقاءه الذين يطالبونه بمشاركتهم العزف والغناء، خصوصاً انه صاحب الاصابع الذهبية التي تلهب حماس حتى الصخر حين تتراقص على الطبلة.
ظل يراقب شاشة هاتفه الجوال دون أن يشارك اصدقاءه نشاطهم وهو في اقصى درجات القلق و الضيق. اضاءات الشاشة بأسم شقيقته الكبرى وخفق قلبه بقوة .. "مبروك ستتزوج قريباً".. أبتسم بارتياح وتأبط طبلته واندس وسط اصدقاءه بنشاط وفرح.

***
كان الوقت مساءً. راح يحدق في الفراغ وسط حالة من الخدر غالبا ماتمره في هذا الوقت من اليوم، شعر برغبة عارمة في النقر على الطبلة لكنه خشى أن تعرف زوجته بالسر الذي اخفاه عنها طوال الشهر الماضي.
دخلت بصينية الشاي وسكبت له فنجان، ارتشف رشفة صغير ثم قال دون مقدمات :" أتحبين أن تستمعي للحن على الطبلة؟"، حركت كلمة الطبلة داخلها وشعرت بشيء يشبة الألهام يدغدغ روحها وقالت بغنج فطري :"لما لا ".
احضر الطبلة بقفزة سريعة وراح ينقر عليها رويداً رويداً لكنه دون أن يشعر بدأ ينفصل عن حالة الوعي ويدخل في تلك الحالة المقدسة التي ترتفع فيها الروح إلى منتهى المتعة، وبالسرعة ذاتها انتقلت هذه الحالة إليها  فنهضت دون إرادة أيضاً وبدأت بالرقصة.
لم يستوعبا غرابة الموقف لأنهما كانا خارج الحالة العادية التي تفرضها شخصيتيهما المحكومتين بالبيئة والواقع، كانا في حالة كاملة من التجرد إلا من رغبة النفس الخالية من أي شائبة.
راحت تتثنى كأن مفاصلها مصنوعة من مطاط، تميل يسارا على وقع نقرة منخفضة ثم تهب إلى الجانب الآخر على نقرة عالية.
تناقلت اصابعه على الطبلة برشاقة واتقان نادرتين واخذه التأثر إلى منتهاه فتفصد العرق على جبينه وهز الانفاعل ملامحه الدقيقة فبدا وجهه كمن يرى الخلاص ويسعى إليه..في حين راحت دموعها ترشح بغزارة مدفوعة بشعور متأجج من العاطفة والشغف.

استمر المشهد برهة من الزمن كانت خارجة من سياق الحياة التي يعرفانها، كانت لحظات من العالم الآخر، عالم الأرواح.. شيء لا يشبه شيئاً .. سر من أسرار الوجود.
 .. تلاقت عيناهما وغام العالم بأكمله.. تراخت اصابعه في الوقت ذاته مع جسدها فتوقفا في اللحظة ذاتها والدموع تقول ما عجزت الكالمات عن قوله.



4/07/2013

الموت على أنغام تشايكوفسكي


مضت ثلاثة أسابيع منذ وصول الخبر.

في الأيام الأولى سمعت الكثير من الناس يتحدثون عن القضاء والقدر ويثرثرون بكلمات لم أعِ منها شيئًا، ثم دخلت في حالة من الشك بكل الثوابات التي دافعت عنها أعوامًا طوالاً أمامه.

كان يسخر مني عندما أتسمّر أمام موسيقى تشايكوفسكي ويضحك كثيراً عندما يراني أنزوي لساعات مع كتاب، لكنه لم يخفِ إعجابه يوماً من طريقة إدارتي لعملنا الخاص؛ لذلك ترك لي كل شيء ومضى يعبث في حياته.

لطالما سألني الكثير من الناس عن سر علاقتي المتينة بشقيقي الوحيد الذي يبدو أمامهم كابني الصغير.. ولا أرد  لأني أنا نفسي لا أفهم طبيعة هذه العلاقة فأنا دئماً  شعرت بأني مسؤول عنه رغم أنه يكبرني بخمسة أعوام.. وكم أقلقتني كثيراً طريقة حياته العبثية، وكم وخزني قلبي عليه لكن لم تكن لديّ حيلة  لثنيه.

مازلت أتذكر لقاءنا الأخير جيدا.

طرحت العمل جانبًا وأدرت جهاز التسجيل في مكتبي على أنغام  تشايكوفسكي وتساءلتُ كيف يستطيع أن يترجم كل هذه المشاعر إلى نغمات، لابد أنه ساحر!، وفي اللحظة ذاتها قطع طرق خفيف على الباب حبل أفكاري، وقبل أن أستعيد نفسي من عالم الموسيقى كانت ضجته المحببة تجوس سماء المكتب.

قال وهو يضحك من أعماقه: "أمازلت تستمع لهذه الموسيقى المملة، كيف تتحمل؟".

ابتسمت له ابتسامة ترحيب وقلت: " شيئان لا أستطيع أن أستغنيَ عنهما أنتَ وهذه الموسيقى".

ضحك بمرح طفولي رغم الشعرات البيضاء الجديدة التي برزت أسفل ذقنه وأخبرني أنه سيغادر اليوم مع مجموعة من الأصدقاء في سفرة سريعة وراح يردد عليّ أسمائهم، ورغم أنه خرج من عندي كالعادة بعد حوار طويل حول مفاهيم الحياة المتناقضة بيني وبينه، إلا أن مشاعر القلق الغريبة التي داهمتني منعت قلبي من الاستمتاع بتشايكوفسكي كما يجب وكان قلبي على حق لأنه عاد من رحلته بتابوت.

قالت التحقيقات أنه قُتل بطعنة نافذة في القلب من أحد أصدقائه في سهرة ليلية، و تم القبض  على الجاني وهو قيد التحقيق. أعرفه جيداً .. ذلك الرجل الرزين الذي جمعتني به مصالح كثيرة، لطالما كان هادئاً لكنني لم أرتح يوماً لنظرة عينيه غير المستقرة.

اليوم استقرت ملامحه بذهني على نحو جعلني أراه حتى في منامي، وخلال الأسابيع الثلاثة الماضية عرفت كل شيء عنه. لم أحتج إلى الكثير من الجهد حتى أحدد هدفي.. لكني لم اشفَ بعد من حالة الصراع التي داهمتني منذ وصول الخبر.

الليل صديق العشاق والقتلة، وأنغامك يا تشايكوفسكي غابت منذ غاب وجهه الطفولي.. حاولت كثيرًا أن أتواصل مع موسيقاه علها تسرّب شيء من ماء الرحمة إلى روحي كما كانت تفعل دائماً، لكن وجهه ظل مثل سكين مغروسة في القلب.

الأن،اصبحت الموسيقى تقودني إلى قرار لابد منه، لا يمكن أن تستقر روحي بعد ذلك اليوم إلا بتحقيق ما أضمرته.

مر النهار جافًا وثقيلًا مثل كل شيء بعده.. وجاء العصر محملاً بشيءٍ قدرِيٍّ لم أتَبيّنه لكنني تركت نفسي تنقاد إليه دون مقاومة. أطفأتُ محرك سيارتي قبالة منزله مثلما أفعل كل يوم ووجهه اللعين بنظراته غير المستقرة لا يبارح مخيلتي.. :"كيف استطاعت يده أن تخترق القلب الذي أحب؟ كيف؟".

خَرَجَتْ من الباب الأمامي للمنزل،الملامح والنظرة غير المستقرة ذاتها. اخترتها لأنها وحيدته والأقرب لقلبه.

تأكدتُ من الرصاصات داخل سلاحي والشمس تلوّح بآخر أشعتها خلف المدى البعيد.. كانت أنغام "كسارة البندق" تتصاعد من جهاز التسجيل في المركبة.. لطالما ساعدني تشايكوفسكي على عبور المراحل الكبرى في حياتي .

تقدمت منها بهدوء تام وأنزلت زجاج المركبة، انتبهت لحركتي وطالعتني بعينين مسترخيتين وقبل أن تستوعب الموقف كانت رصاصتي تخترق قلبها، تبعتها بأخرى حتى أتأكد من موتها ثم ابتعدتُ مسرعاً بمركبتي وأنغام تشايكوفسكي تمد القلب بشعور في منتهى السعادة والاطمئنان.



3/12/2013

اعترافات


هل تعتقدون أن الإنسان يتغير ؟ .. وإذا كانت الإجابة نعم، كيف ومتى يتغير؟؟

أسئلة كثيرة كانت تدور في بالي وأنا اعيد قراءة هذه المدونة التي عبرت عني على مدى 5 سنوات كاملة.

عندما أرى نفسي الأن أجدني تغيرت كثيراً عن الذي كنته في اعوام 2008 و 2009 وبنسبة أقل عن 2010 و 2011 ، أعتقد أنني تغيرت كثيراً في العامين الماضيين، لكني لست أدري هل التغير إلى  الأحسن أم إلى الأسوأ.

في الأعوام السابقة  برأيي  (الآن) أن شخصيتي  كانت تميل إلى السذاجة والسلبية وربما الخوف  ..  الخوف من المجهول ومن الدخول في أي تجربة من اي نوع لذلك اشعر (الآن أيضاً ) أنني كنت شخصية تفتقر إلى التجربة والاقدام.
أيضا كنت في السابق أعير اهتمام كبير جداً لأي حدث مع أي شخص وهو ما قد يدخلني في حالة نفسية سيئة لايام طوال لأسباب سخيفة أو من أجل شخص لا يعنيلي شيء.

وبالنسبة للمدونة أحياناً أقرأ "بوست" سابق واشعر منه بالخجل. مثلاً تكرار كلمات الحب والتعاسة والأمل الضائع والحبيب المفقود كلها أشعر بها الآن ساذجة.

ولا يعني ذلك أبداً أنني نادم .. لا اطلاقاً .. لكنه ما اشعر به بكل صراحة.

قد تنتابني حالة مشابهة الأن واعبر عنها بكلمات مماثلة للسابق لكنها على كل حال ستكون حالة عابرة لاتلبث إلا وتختفي سريعا، على العكس  من السابق عندماً كانت هذه الحالة من الهيام ملازمة لشخصيتي على الدوام.

سأقول شيئاً

في السابق كانت هناك تجربة شخصية هي من سببتلي الكثير من الألم في وقتها، وهي من كانت وراء العديد من البوستات . تجربة عندما أتذكرها الآن أشعر بالشفقة تحرقني على نفسي.. واتساءل: أكنت ساذجاً إلى هذا القدر؟؟ . وأجيب نعم كانت مشاعري بريئة وحقيقية وصادقة جداً. نعم هذه صفات جميلة وانا ممتن لها كثيراً لأنها شكلت شخصيتي بهذا القدر من الشعور بالآخرين، لكنني عانيت منها الأمرين وحملت مشاعر غاية في النبل و السمو لأشخاص لاتستحقها.

واعترف هو ليس خطأ الشخص المقابل ولا سوء في شخصيته لكنه خطئي أنا وسذاجتي أنا.


الأن

خلال العامين الماضيين خصوصاً وقبلهما بقليل .. خضت العديد من التجارب .. وارتكبت الكثير من الأخطاء.. ولم أعد أخاف من العواقب.. وقد أرتكب فعل مجنون دون حساب لشيء أبداً.

أصبحت لا أكترث كثيراً للناس على الرغم من حرصي على عدم التعدي على احد أو التسبب بألم لأحد.
صرت اكثر عملية و واقعية وأكثر ليونة في المسائل المتعلقة بالتجارب.

الأكثر من ذلك والشيء الذي أشعر بالخوف منه.. أنني قد أرتكب فعل خاطئ وأنا مدرك تماماً انه خطأ لكني لا أشعر تجاهه بالندم البته كما كان يحدث في السابق. أيضا اشعر الأن أنني لا أعرف الحقيقة المتعلقة بكل شيء. حالة من القلق و عدم اليقين.

لكن على كل حال .. أشعر بأني الآن أفضل بكثير. ولدي القدرة على مجابهة الحياة بكامل التحدي و الاصرار.

..
الحب

ههههه .. دائماً كنت مؤمناً في الحب .. ودائماً كان قلبي يرقص لمشاهدة اي مشهد حب او قراءة أي تجربة حقيقية، وطالما امتلأت عيناي بماء المشاعر .. و ما أكثر ما حلقت على اجنحة الأمل والأحلام وأنا أحتضن الحب .. الحب المجرد.. وأنتظر الطرف الآخر.

لكنه الحقيقة كانت مؤلمة جداً.. لا بل شديدة الألم والقسوة .

الحب جافني جداً .. ولم يتقاطع مع طريقي أبداً.. كان أشبه بمحطات خربة عبرتها على عجل بحثاً عن حب العمر لكن تلك المحطة لم تظهر.

الآن بلغت مرحلة أجدني عاجزاً تماما عن تصور نفسي  متوافق مع طرف آخر بالدرجة التي تولد الحب الحقيقي. مزاجي سيء .. وقدرتي على التحمل مضغوطة جداً.. ولا أجد لدي صبر على علاقة من هذا النوع.

ممممم سأحاول أن أفسر هذه الحالة.

المشاعر الحقيقية لدي أصبحت مطمورة تحت ركام تداعى خلال سنوات طوال حتى أصبح من الصعب وأقرب إلى المستحيل أعادتها إلى الحياة وأزالة هذا الصدئ الذي غلفها بالكامل.

لكني (واشكر الله كثيراً) لازلت أشعر بقلبي .. اشعر به يتحرك .. لين.. يتألم لكل دمعة معذبة.. ولكل يد لم تجد من يدفئها .. ولكل عين ملهوفة تنتظر.

قلبي يتألم من أجل الجميع .. إلا من أجلي.





 

3/04/2013

أكذبت العيون

ماحدث لا يصدق .. لم يغنِ الطائر الصغير على غصن الشجرة

ولم تزهر وردة الرجل العجوز. ولم يستدير صدر الفتاة. ولم تهب الريح.

ماحدث لايصدق.

...........................
"خدعة"

كنت في أمسية ثقافية من تلك الجلسات التي أحبها كثيراً لأحد الأصدقاء الشعراء .. وكان الحضور مقصوراً على الأصدقاء المقربين، والجلسة مكتسية بطابع حميمي بحت.

كانت هي موجودة ايضاً.. رمقتني بنظرة خاطفة أهتزت لها دواخلي ثم تجاهلتني تماماً رغم أن عيني لم تنفك تطارد عينيها علها تحظى بنظرة آخرى تروي جفاف البعد.

أنا احبها جداً واتمنى أن أقترب منها بصدق، أتمنى أن تكون  إمرأة حياتي، لكنها لاتصدقني رغم المشاعر الإيجابية التي تحملها لي والتي استشفها من نظراتها الولهه.

كنت سعيد لأنها قريبة مني، كلما صادفتها في أي مناسبة تغمرني سعادة لا إرادية بشكل جميل وصادق جداً، وادخل في حالة أحبها كثيراً، حالة تجلعني قادراً على الإبداع والاسترسال والتحدث من داخل الروح دون وضع اي اهتمام لمحاذير العقل التي اكره سطوتها ونفوذها.

كنت احضر مفاجأة لصديقي الشاعر، مفاجأة أصبحت أجمل بحضورها، كنت معد لحنا جميلاً لأحدى قصائده وسأغنيه أمامه دون علمه.

وحين حانت اللحظة التفت الجميع ناحيتي، كنت لا ارى إلا تلك العينين السابلتين اللتان تنظران إلى أسفل بخفر  يطعن القلب، وبدأت بالغناء.
في البداية تجاهلتني، لكن حين قلت "ياحبي المر العذب، سكنتي جروحي غصب*" نظرت نحوي والتقت العيون.. لم تخفض نظرها بل راحت تحادث عيني بلغة نادرة لا يفهما إلا المتبحرون بالعشق.

قلت لها كل ما اريد أن اقوله.. شعرت بلحظة تجلي خارجة من سياق الحياة وأنا أعتصر قلبي حد الالم ،حد المتعة حتى يقول ما عجز لساني عنه.

كانت تلك اللحظة ذروة حياتي ومعناها الكبير.

وحين انتهيت رأيتها تخرج مسرعة، باغتتني حالة احباط وفارقت البسمة شفاهي وحل العبوس بصورة لم اتمكن من اخفاءها.

أختفت.

منذ تلك اللحظة لم أجد لها اثر..بحثت عنها بكل مكان وبعد أن بذلت أقصى ما يمكني عمله وصلني الخبر.
 تزوجت صديقي الشاعروغادرت البلاد.
.........

*من قصيدة ابعتذر لبدر بن عبدالمحسن
...................................................

احب يديك كثيراً .. أصابعك شموع فرحي.. بشرتك الندية صحو أيامي، اظافرك، النتوء الصغير على ابهامك، لمستك الحلم.. كل، كل شيء .. أحب يديك كثيراً.







  



 

2/18/2013

طريق الإصدار


طلب مني الأخ والزميل العزيز صاحب مدونة  t7l6m أن أكتب تجربة نشر  مجموعتي القصصية الأولى "تحت الصفر" . وأنا أعتذر منه للتأخر في كتابة هذا البوست بسبب مشاغل الحياة الكثيرة والمتشعبة.

بشكل عام إصدار مجموعة قصصية أصبح أمر يسير وسهل وبالإمكان اختصار التجربة بخطوات قليلة هي:
 الخطوة الأولى: تنسيق القصص بأن تكون جاهزة للنشر.
 الخطوة الثانية :الاتصال على دار النشر وتسليمهم المجموعة لمراجعتها من جميع الجوانب.
الخطوة الثالث: إذا تم الموافقة على محتوى المجموعة من قبل دار النشر يتم الاتفاق على التفاصيل المادية والمتعلقة بالتوزيع ثم يتم تحديد موعد صدور المجموعة.

هذه فقط الخطوات الرئيسية في رحلة النشر.

لكن إذا دخلنا في التفاصيل نجد المثل الإنكليزي الشهير "الشيطان يكمن في التفاصيل" مبتسما بانشراح في وجوهنا، لأنه هناك الكثير من التفاصيل المهمة والتي تحتاج إلى جهد و متابعة دقيقة حتى يظهر العمل بالصورة المناسبة، وجزء كبير من هذا الأمر يعتمد على دار النشر فإذا كانت دار النشر متميزة ولها باع طويل في هذا المجال يرتاح المؤلف أكثر من  إذا كانت دار النشر قليلة الخبرة والحرص على العمل.

من أصعب الأمور التي واجهتني هي مراجعة المجموعة بعد تنسيقها من قبل دار النشر حيث انهم يقومون بإرسالها عن طريق الإيميل بعد تحويلها إلى bdf وهذا الأمر قد يتكرر أكثر من مرة وفي كل مرة يجب عليك أن تقرأها كاملة وبتمعن لتفادي أي اخطاء مطبعية أو أملائية و بطبيعة الحال فأن قراءة نصوصك التي كنت قد قرأتها الف مرة من قبل وبتمعن يجعلك تصل إلى مرحلة الكره لهذه النصوص، لكن هذه الخطوة مهمة جداً لأنه هناك الكثير من الأعمال الشبابية التي طرحت مؤخراً كانت تحمل بعض الأخطاء المطبعية الفادحة التي تؤثر على العمل بصورة كبيرة.

أيضاً هناك أمور فنية يصعب على الكاتب الجديد فهمها أو الإنتباه إليها إلا بعد صدور العمل وهذا الأمر يجعل  اي ملاحظة تبديها بعد الصدور تذهب ادراج الرياح، ومن أهم هذه الملاحظات نوعية الورق، حجم الخط، تنسيق النصوص، تصميم الغلاف، و كتابة الفهرس والمقدمة وغيرها.

وبالنسبة لمجموعتي فإن هذه الأمور كانت سيئة جداً لأن التنسيق والورق وطريقة الخط كلها جاءت بشكل سيء ومتواضع جداً لم ادركه إلا بعد الإصدار، كما أن من سلبيات دار النشر انها لا تعطيك نسخة مطبوعة أولية بل ترسلك المجموعة عبر الإيميل كما اسلفت وهذا الأمر لايسمحلك بملاحظة السلبيات لأن النسخة المطبوعة تختلف كلياً عن النسخة الالكترونية.

هناك أمور مهمة جداً يجب أن يأخذها الكاتب الجديد بعين الاعتبار، من أهمها التسويق والاعلان والانتشار، فكلما كان الكاتب يملك علاقات مميزة مع المثقفين والكتاب الكبار والمعروفين، فأن هذه العلاقات ستساهم بصورة كبيرة في الانتشار واطلاع الناس على الاصدار، كما اني اعتقد انه من المهم أن يكون الكاتب جريء بعض الشيء وبأن يعرض عمله على الكتاب والأدباء المعروفين لأخذ ملاحظاتهم و أن ينشط على وسائل التواصل الاجتماعي للاعلان عن عمله.

بشكل عام أمر جيد جداً أن يتجه الشباب للكتابة و محاولة ولوج طريق الأدب الشاق الذي قد يمنحك بعض الشهرة لكنه يأخذ منك الكثير من الجهد والتفكير ويستنزفك بطريقة روحية ، فضلاً عن انه لا يوفرلك أي مردود مادي كنوع من المكافأة على مجهودك أو على موهبتك خصوصاً في مجتمعاتنا التي يهمش فيها فعل القراءة ويعتبر كنوع من الرفاهية أو  لتزجية الوقت ليس إلا، كما أن غالبية الناس في بلادنا لا تقرأ ولا تحب القراءة وهو مايؤثر بطبيعة الحال على الكاتب، لكن الكتابة الحقيقة هي قدر الكاتب وليس اختياره.

أخيراً اعتقد أن أي شخص يمتلك الموهبة عليه أن يعمل على تنميتها وطرحها للناس ، لكن عليه أولاً أن يتأكد من  أن هذه الموهبة حقيقية وأن يعرض نصوصه على أشخاص يملكون القدرة على التقييم حتى يخرج عمله بأفضل صورة ويلاقي النجاح المطلوب.

:)