5/14/2015

روج


طلبتُ كوباً من القهوة، وجلست متململاً في زاوية قصية. لم انتبه لها حين دخلت بهدوء لكنني التهمتها بعيني وهي تتحدث مع النادل.

كان يبدو عليها أنها أكبر من مظهرها الخارجي، شعرها مصفف بطريقة جميلة، ورغم التجاعيد البارزة أسفل عينيها و على جنبات فمها إلا أنها كانت أنيقة. ترتدي بنطالًا من الجينز وقميصا حريريا أبيضا يظهر مفرق نهديها بوضوح. يجذبني هذا النوع من النساء بصورة لا أستطيع معها أن أمنع نفسي من محاولة استمالتها.

تدفقت الخيالات سريعاً في مخيلتي ورحت أتصور كيف ستكون علاقتنا حين أتعرف عليها، لن أجد صعوبة مع هذه النوعية التي تريد أن تبقي الزمن واقفاً في مرحلة الشباب. قلت في نفسي يبدو أنه سيكون يوم سعدي.

انتعشتُ بارتياح حين أخذت موقعا قريبا من طاولتي، اعتدلتُ في جلستي وسددت نظراتي تجاهها، لكنها لم تشعر بوجودي حتى.

كنت أفكر في كيفية لفت انتباهها حين دلف شابٌ وسيمٌ جداً وتوجه مباشرة ناحيتها، كان طويلاً بعض الشيء، تبرز عضلات صدره من خلف قميصه البولو، شعره كثيف ومبعثر باهمال، عيناه واسعتان برموش طويلة، لحيته الخفيفة منحت وجه استدارة مميزة، كان يصلح أن يكون موديلاً لدور عروض الأزياء أو بطلا لأغاني الفيديو كليب.

حسدته على وسامته وأنا اتحسس كرشي الصغير. لكنني رغم الإحباط الذي أوهن عزيمتي  ظللت محتفظاً بشيء من الأمل وموجها حواسي كلها ناحيتهما.

عندما رأته ضحكت عينيها وافترت شفتيها عن ابتسامة مهللة، لاحظت أنها أعادت طلاء شفتيها بالروج الأحمر ما جعلها شهية جداً.

أمسك يدها برقة وقبلها بحنان ثم جلسا يتبادلان الحديث بمعزل عما حولهما.

ندبت حظي التعس. وفكرت أن أترك هذه الحياة، أن أتزوج وأبحث عن الاستقرار، لكني كلما تذكرت صديقي الذي يصارع حياته الأسرية حتى يسهر معنا ليلة الخميس أحجمت عن هذا القرار واستمريت في مطاردة النساء والاستمتاع في إيقاعهن بالحب.

انتعشت قليلاً وأنا أستعيد علاقتي بآخر فتاة عرفتها، كانت مندفعة وغبية، ألتهمت الطعم ببساطة متناهية، ما زلت مشفقاً عليها عندما أنهيت مهمتي معها وأعلمتها بأني لا أصلح للزواج.


ارتفع صوتهما قليلاً فالتفتُ سريعاً، رأيته مستمراً في نظرته الولهى تجاهها لكن ملامحها كانت منقبضة نوعا ما.

حاولت أن أسترق السمع لهما، سمعته يقول :" لا تفسدي لحظاتنا الجميلة بهذا الموضوع"، استنفرت بتوثب وقالت بصوت بدا واضحاً تماما :" نحن لم نتوصل إلى اتفاق ولقاؤنا اليوم أصلاً من أجل هذا الموضوع".

غام وجهه وأفلت يدها وهو يسند ظهره للمقعد وتمم بشيء لم التقطه، حاولت ان اصغي بكل حواسي لكني ايضا اخفقت في سماع ردها.

وصل صوته جلياً هذه المرة :"لست مستعداً الآن، طلبت منك أن تمنحيني بعض الوقت، لاتنسي أن موضوع فارق السن يحتاج إلى تبرير".

:"كل مرة تذكرني بهذا الأمر، أنت لست صغيراً، وأنا ما زلت جميلة جداً و أستطيع بإشارة واحدة أن أجذب أفضل الرجال". رقص قلبي لهذه الجملة.

أصابه الإحباط وبدا أنه سئم وتمتم بخفوت وهو يدير النظر في المكان.

احتقن وجهها غضباً ونهضت بحركة عصبية وهي تسحب حقيبتها من على الكرسي بجانبها.

علق حامل الحقيبة بطرف الكرسي فانتثرت بعض الأغراض، جمعتها بسرعة وهي تدمدم بالشتائم لكنها لم تنتبه إلى قلم الروج الذي كان قريباً مني.

استرخى الشاب على الكرسي بلا مبالاة كأنها لا تعنيه.

التقطتٌ قلم الروج وخرجت مسرعاً بإثرها. أخذت موقعها خلف مقود مركبتها وهي ما تزال تكيل الشتائم.

:"لو سمحتي"

التفتت لي وقالت بحدة ونفاد صبر :"خير"

ابتسمت ابتسامة خبيرة ومددت قلم الروج  :"هذا لكِ"

ارتخت ملامحها قليلا وقالت :"شكرا"، أرادت ان تنهي الحديث بسحب باب مركبتها، لكني ظللت ممسكا بالباب، رفعت عينيها المستغربتين تجاهي، فمددت لها بطاقتي الشخصية وأنا لا أزال محتفظا بالابتسامة ذاتها :"إذا اردتي أن تستعيدي هدوئك".

ظلت صامتة لحظات طالت قليلاً وهي تتأمل وجهي بعينين جامدتين، شعرت بأنها أرادت أن تبصق، ثم ولا أدري لماذا تبدلت نظرتها إلى النقيض. أخذت البطاقة بسرعة وأغلقت الباب بهدوء.

 ضغطت على دواسة البنزين فأثارت العجلات الغبار في وجهي المنتشي بالظفر.

 

1 comment:

نقل عفش said...

تدوينة رائعة جزاك الله خير
بالتوفيق ان شاء الله