5/31/2012

تشيكوف





انطون تشيكوف .. أديب روسي ومن أفضل (إن لم يكن الأفضل على الاطلاق) كتّاب القصة القصيرة.


كاتب مبدع ومبتكر و مجدد وهذه هي صفات الناجح و المختلف.


كتب المئات من القصص القصيرة التي اختيرت بعضها من أفضل القصص على مر العصور .
اخترت هنا إحدى قصصه التي فتنتني بحق .. فيها شيء مختلف وعميق وبسيط وآسر .
أكثر ما يجذبني في الكتابة الأسلوب الجامع بين البساطة والعمق، هذا النوع من الكتابة المفضل لدي.
القصة بعنوان "وفاة موظف" .... استمتعوا بها :))


..........

ذات مساء رائع كان إيفان ديمتريفيتش تشرفياكوف، الموظف الذي لا يقل روعة، جالسًا في الصف الثاني من مقاعد الصالة، يتطلع في المنظار إلى "أجراس كورنيفيل".
وراح يتطلع وهو يشعر بنفسه في قمة المتعة. وفجأة (وكثيرًا ما تقابلنا "وفجأة" هذه في القصص).. والكتاب على حق، فما أحفل الحياة بالمفاجآت! فجأة تقلص وجهه، وزاغ بصره، واحتبست أنفاسه.. وحول عينيه عن المنظار وانحنى و... إتش!!!

عطس كما ترون. والعطس ليس محظورًا على أحد في أي مكان. إذ يعطس الفلاحون ورجال الشرطة، بل وحتى أحيانًا المستشارون السريون.
الجميع يعطس، ولم يشعر تشرفياكوف بأي حرج، ومسح أنفه بمنديله، وكشخص مهذب نظر حوله ليرى ما إذا كان قد أزعج أحدًا بعطسه. وعلى الفور أحس بالحرج. فقد رأى العجوز الجالس أمامه في الصف الأول يمسح صلعته ورقبته بقفازه بعناية ويدمدم بشيء ما. وعرف تشرفياكوف في شخص العجوز الجنرال بريزجالوف الذي يعمل في مصلحة السكك الحديدية. وقال تشرفياكوف لنفسه: "لقد بللته. إنه ليس رئيسي بل غريب، ومع ذلك فشيء محرج. ينبغي أن أعتذر".

وتنحنح تشرفياكوف ومال بجسده إلى الأمام وهمس في أذن الجنرال:
-
عفوًا يا صاحب السعادة، لقد بللتكم.. لم أقصد.
-
لا شيء، لا شيء.
-
أستحلفكم بالله العفو. إنني.. لم أكن أريد!
-
أوه، اسكت من فضلك! دعني أصغي!
وأحرج تشرفياكوف فابتسم ببلاهة وراح ينظر إلى المسرح، كان ينظر ولكنه لم يَعُد يحس بالمتعة. لقد بدأ القلق يعذبه. وأثناء الاستراحة اقترب من بريزجالوف وتمشى قليلاً بجواره، وبعد أن تغلب على وجله دمدم:
-
لقد بللتكم يا صاحب السعادة.. اعذروني.. إنني لم أكن أقصد أن...
فقال الجنرال:
-
أوه كفاك! أنا قد نسيت وأنت ما زلت تتحدث عن نفس الأمر !.. وحرك شفته السفلى بنفاد صبر.
وقال تشرفياكوف لنفسه وهو يتطلع إلى الجنرال بشك: "يقول نسيت بينما الخبث يطل من عينيه. ولا يريد أن يتحدث. ينبغي أن أوضح له أنني لم أكن أرغب على الإطلاق.. وأن هذا قانون الطبيعة، وإلا ظن أنني أردت أن أبصق عليه.. فإذا لم يظن الآن فسيظن فيما بعد.."...!

وعندما عاد تشرفياكوف إلى المنزل روى لزوجته ما بدر عنه من سوء تصرف. وخيل إليه أن زوجته نظرت إلى الأمر باستخفاف فقد جزعت فقط، ولكنها اطمأنت عندما علمت أن بريزجالوف "غريب"، وقالت:

-
ومع ذلك اذهب إليه واعتذر وإلا ظن أنك لا تعرف كيف تتصرف في المجتمعات.
-
تلك هي المسألة! لقد اعتذرت له، لكنه... كان غريبًا.. لم يقل كلمة مفهومة واحدة، ثم إنه لم يكن هناك متسع للحديث.
وفي اليوم التالي ارتدى تشرفياكوف حلة جديدة، وقص شعره وذهب إلى بريزجالوف لتوضيح الأمر.. وعندما دخل غرفة استقبال الجنرال رأى هناك كثيرًا من الزوار ورأى بينهم الجنرال نفسه الذي بدأ يستقبل الزوار. وبعد أن سأل عدة أشخاص رفع عينيه إلى تشرفياكو. فراح الموظف يشرح له:
-
بالأمس في "أركاديا" لو تذكرون يا صاحب السعادة عطست و.. بللتكم عن غير قصد.. اعذر...
-
يا للتفاهات.. الله يعلم ما هذا! – وتوجه الجنرال إلى الزائر التالي – ماذا تريدون؟
وفكر تشرفياكوف ووجهه يشحب: "لا يريد أن يتحدث إذن فهو غاضب.. كلا لا يمكن أن أدع الأمر هكذا... سوف أشرح له"...

وبعد أن انتهى الجنرال حديثه مع آخر زائر واتجه إلى الغرفة الداخلية، خطا تشرفياكوف خلفه ودمدم:
-
يا صاحب السعادة! إذا كنت أتجاسر على إزعاج سعادتكم فإنما من واقع الإحساس بالندم!. لم أكن أقصد، كما تعلمون سعادتكم.!
-
فقال الجنرال وهو يختفي خلف الباب:
-
إنك تسخر يا سيدي الكريم!
وفكر تشرفياكوف: "أية سخرية يمكن أن تكون؟
ليس هنا أية سخرية على الإطلاق! جنرال ومع ذلك لا يستطيع أن يفهم! إذا كان الأمر كذلك فلن أعتذر بعد لهذا المتغطرس. ليذهب إلى الشيطان! سأكتب له رسالة ولكن لن آتي إليه. أقسم لن آتي".!
هكذا فكر تشرفياكوف وهو عائد إلى المنزل. ولكنه لم يكتب للجنرال رسالة. فقد فكر ولم يستطع أن يدبج الرسالة. واضطر في اليوم التالي إلى الذهاب بنفسه لشرح الأمر..

ودمدم عندما رفع إليه الجنرال عينين متسائلتين:
-
جئت بالأمس فأزعجتكم يا صاحب السعادة، لا لكي أسخر منكم كما تفضلتم سعادتكم فقلتم. بل كنت أعتذر لأني عطست فبللتكم... ولكنه لم يدر بخاطري أبدًا أن أسخر وهل أجسر على السخرية؟ فلو رحنا نسخر فلن يكون هناك احترام للشخصيات إذن...

وفجأة زأر الجنرال وقد أربد وارتعد:
-
اخرج من هنا!!
فسأل تشرفياكوف هامسًا وهو يذوب رعبًا:
-
ماذا؟
فردد الجنرال ودق بقدمه:
-
اخرج من هنا!!

-
وتمزق شيء ما في بطن تشرفياكوف. وتراجع إلى الباب وهو لا يرى ولا يسمع شيئًا. وخرج إلى الشارع وهو يجرجر ساقيه.. وعندما وصل آليًّا إلى المنزل استلقى على الكنبة دون أن يخلع حلته... ومات
.

9 comments:

Sweet Revenge said...

:-) من الخرعه مسكين
حلوه هالمواضيع تعطينا ثقافه عن كتاب مختلفين واساليبهم الادبيه
موفق زيد

aL-NooR . said...

واو


:)

7osen said...

سويت .. هلا والله

أييي شفتي شلون

القصة وايد حلوة .. تحسينها بسيطة لكنها مكتوبة بحرفية مذهلة ومعناها عميق جداً

:)

7osen said...

النور

حياج الله عزيزتي

وشكراً على الواو

:))

تراب الكويت said...

mno zaid ?!!
;)

TRAB

7osen said...

ههههههههه

انا زيد .. هذا الوجه الحقيقي .. وحسين الوجة الأخر :))

شلونج تراب ليش مدونتج مغلقة حاولت ادخل عندج وما قدرت؟

Anonymous said...

شنو اللي كان بيوصله الكاتب؟؟

ممكن شرح بسيط من فضلك

7osen said...

بالنسبة للي بيوصله الكاتب .. هذا الامر المفروض كل واحد يفسره على حسب رؤيته وفهمه .. بالنسبة لي فسرتها بطريقة فلسفية ترمز الى أن حرص بعض الناس على مشاعر الآخرين يمكن يوصل لحد الموت .. بينما تجاهل البعض لمشاعر الاخرين قد يصل احياناً لحد الموت ايضاً .. والجميل ايضا بالقصة انها جاءت بطريقة طريفة وعميقة بالوقت نفسه. شكرا

ChiحleB said...

الصراحة القصه كانت اعمق من اني افهمها
و بعد راي الاخ "حسون" في التعليق السابق
فهمت الغمده

القصه حلوه عميقة و المعنى وايد حلو